الرئيسية

المعمل الذي يكلف الملايين… يجب أن ينتج ملايين لكن..؟

صورة الكاتب: 

كان يا ما كان في زمن ولّى في قسم الجغرافيا معمل خرائطي ينتج خرائط بأعلى المواصفات المعروفة في تصميم وإنتاج الخرائط. فلقد تميز قسم الجغرافيا بهذا المعمل وما توفر له من دعم فني وبشري طيلة عقدين من الزمن على أقل تقدير. أنتج القسم الكثير جداً من الإنتاج المتميز ولا أبالغ إن قلت إن هذا المعمل كانت تشد إليه «الرحال» – كما قلت في مقال سابق. لكن ما سر تميز أداء هذا المعمل؟ في الحقيقة لقد كان القسم موفقاً في اختيار موظف كفء بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. لم يكن لأعضاء هيئة التدريس وطلاب الدراسات العليا مشكلة في إخراج الخرائط سواء في مشاريعهم البحثية أو التطبيقية الكبيرة. وللحقيقة فإن الجامعة لم تبخل في دعم هذا المعمل. شاءت الأقدار فتغير وضع إنتاج وإخراج الخرائط وأصبح إنتاج الخرائط يتم ضمن نظم وبرامج، ولم يصبح إخراج الخريطة – كعملية إخراج- هي المشكلة بقدر ما هي معرفة طبيعة هذه النظم والبرامج وكيفية تمثيل البيانات فيها ونمذجتها ثم إخراجها. بلغت تكلفة المشروع ملايين الريالات، ومرة أخرى لم تبخل الجامعة في دعم المشروع مالياً – رغم معارضة شديدة من قبل أعضاء في مجلس الجامعة آنذاك نتيجة تصور مغلوط – وما زال- عما يدور أو تهتم به بعض التخصصات الأخرى في الجامعة. وتم تجهيز المعامل بأعلى المواصفات ولا يقل بأي حال من الأحوال عن أي معمل في أي قسم جغرافيا معني بهذه التقنيات في الجامعات المتقدمة. لكن ما الذي حدث؟ ومثل ما قلت سابقاً حول الموضوع: لم نستطع أن نقنع الجامعة حتى الآن بأن المعمل بحاجة إلى فني مختص كفء مثل الأول لا يرضيه إلا راتبا مجزٍ! وسأكون صريحاً أكثر وأقول: هل تم الرفع بالطلب كما يجب من قبل رؤساء القسم وعمداء الكلية السابقين والحاليين؟ وأنا أعني: هل تم اختيار الشخص المطلوب، وهل قدمت أوراقه باليد؟ وأقول باليد بكل أسف لأننا أصبحنا نسمع في الفترة الأخيرة عن ضياع المعاملات في عصر التقنيات!

كل الذي نحصل عليه موظف يأتي إلينا ثم يتركنا في وضح النهار بعد فترة وجيزة بعد أن يخوض حرباً ضروساً مع الجامعة لكي تعطيه المرتب اللائق! إن مسألة أو ما يعرف بند الوفورات وطريقة التعامل مع احتياجات المعامل بهذه الطريقة لهي الوصفة الأبسط لنكبة أي قسم أكاديمي. لا يمكن ولا يجب الاستمرار بهذه البيروقراطية في تطوير واستحداث معامل تقوم عليها العملية البحثية والتعليمية. ولن يكون حديثنا عن الجودة والتطوير إلا في نطاق ضيق ينحصر في الكراسي البحثية ومراكز الأبحاث التي نفسها لم تسلم من البيروقراطية.

وحديثي في الحقيقة أوجهه مناشدة لمعالي مدير الجامعة فقط. فهل من المعقول أن تصرف الجامعة على معمل ملايين الريالات ثم لا تجد طريقة مناسبة لتوظيف الكادر الفني البشري المناسب لهذا المعمل وغيره؟ نرجو من معاليه أن يجد حلاً غير تقلدي – كم عودنا- انطلاقاً من رؤيته التي وضعتنا على الطريق الصحيح نحو العالمية. ولمعاليه أن يسألنا بعد توفير الكادر البشري المؤهل: أين إنتاجكم؟ أما مسألة تكلفة المدخل وتكلفة المخرج من هذه المعامل فكما قلت في العنوان، ولن أزيد سوى إنني أعتبر أن أي جهاز يشتغل في معمل في جامعة لا يفيد العلمية التعليمية والبحثية والاقتصاد المعرفي فهو هدر مالي صرف. لكن مرة أخرى لا قيمة لجهاز بملايين الريالات دون مشغل ومشغل محترف. ومن حق معاليه أن يعرف إننا في وضع حرج للغاية، فلا يوجد في القسم مساعدون باحثون بدرجة ماجستير في النظم والبرامج الجغرافية والخرائطية يشغلون المعامل خاصة وأن لدينا خطة بكالوريوس جديدة لم تبدأ، وكذا برنامج ماجستير موازٍ في النظم تم رفعه، ولقد حددنا ما نريد لهما من كادر بشري. ليس لنا إلا معالي المدير بعد الله لينقذنا من هذه البيروقراطية التي لا توجد في هارفارد وأكسفورد. هذا وبالله التوفيق.

المصدر: http://rs.ksu.edu.sa/46384.html

old_id: 
572
اسم الكاتب: 
د. علي الغامدي