الحماية القانونية لنظم المعلومات الجغرافية/المحامية الأستاذة حنان مليكه
من فرع دمشق
مقدمة :
بعد غزو (الإنترنت) لجميع مجالات الحياة الاقتصادية منها والاجتماعية والسياسية وحتى الثقافية كان لا بد من مواكبة التطور التقني والتكنولوجي الملحوظ والسعي الدائم لتطوير البنى التحتية اللازمة لضمان الاستفادة المثلى من تطبيقات الحاسب الآلي لا سيما في القطاعات الحيوية كقطاع الاقتصاد حيث تعتبر التجارة الإلكترونية من أهم التطبيقات الاقتصادية عبر الإنترنت ، وكذلك قطاع البيئة والموارد الطبيعية فيمكن الاستفادة من التطبيقات التكنولوجية الحديثة في مجال نظم المعلومات الجغرافية التي تعنى بالمعطيات المكانية من خلال بيانات معينة تحدد معالم طبيعية وجغرافية وتربط فيما بينها وتحدد خصائصها وإمكانياتها لتحقيق خدمات حيوية معينة.
المبحث الأول – ماهية نظم المعلومات الجغرافية :
تقوم أنظمة الحاسب الآلي على تحليل بيانات معينة وإدارتها ومعالجتها في عدة مجالات حيوية لتحقيق الاستفادة منها وتطبيقها في الواقع العملي بالشكل الأمثل ، فقد استخدم الحاسب الآلي في تحديد المعالم والمواقع الجغرافية وذلك من خلال ربط الموقع الجغرافي بمعطيات رقمية خاصة به تحدد ماهيته وخصائصه ومدى الاستفادة منه ومدى قدرته على تحقيق أهداف معينة وذلك يضمن الدقة في المعلومات والسرعة في إنجاز الخدمات .
نبين في هذا المبحث تعريف نظم المعلومات الجغرافية ومن ثم نوضح القيمة القانونية لهذه النظم .
المطلب الأول : التعريف بنظم المعلومات الجغرافية :
تتعلق نظم المعلومات الجغرافية بعلم الجغرافيا ورسم الخرائط وعلم المساحة والرياضيات والإحصاء وعلم الاستشعار عن بعد ، فمن التطبيقات الشهيرة لنظم المعلومات الجغرافية استخدامها في المواصلات وذلك لتحديد أفضل الطرق التي توصل بين نقطتين أو موقعين في مدينة ما ، وكيفية توصيل الكهرباء واكتشاف الأعطال بسرعة كما تلجأ إليها الإدارات المحلية في تحديد ملكية العقارات ، وتستخدم أيضاً في عمل تخطيط جيد للخدمات الاجتماعية كالرعاية الصحية وذلك لأن هذه النظم لها قدرة على تحليل التوزيع السكاني وإمكانية وصول السكان إلى مراكز الخدمات(1) .
فيمكننا تعريف نظام المعلومات الجغرافية بأنه مجموعة من التقنيات والبرامج الحاسوبية التي تتضمن بيانات معينة مرتبطة بموقع جغرافي معين من شأنها أن تحدده وتربطه بمواقع جغرافية أخرى وبفعاليات مختلفة لتحقيق خدمات حيوية معينة .
فبعد أن يتم تخزين معلومات محددة عن الموقع الجغرافي من خلال برامج حاسوبية معينة يمكن استرجاع البيانات الرقمية المتعلقة بهذا الموقع عند الحاجة إلى دراسة هذا الموقع دراسة ميدانية في مجال عملي معين ، فيتم الوصول إلى حدود هذا الموقع وخصائصه وارتباطه بغيره من المواقع أي أننا نكون أمام بيانات رقمية تتم معالجتها من خلال برامج حاسوبية معينة لتمثل واقعاً عملياً معيناً .
المطلب الثاني : القيمة القانونية لنظم المعلومات الجغرافية .
تتمتع البيانات الإلكترونية المثبتة على الوسائل الإلكترونية بالحجية القانونية التي تتمتع بها المستندات الورقية ، وهذه الحجية مستمدة من القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) عام 1996(2) والذي أكد على أن البيانات الإلكترونية لا تختلف عن البيانات الورقية من حيث الحجية القانونية وقد عبر عن ذلك في المادة الخامسة منه والتي تنص على : ( لا تنكر القيمة القانونية للبيانات أو صحتها أو قابليتها للنفاذ لمجرد أنها لم ترد في شكل رسالة بيانات التي من شأنها أن تمنحها هذا الأثر القانوني حال كونها قد أحيل لها في رسالة البيانات هذه) .
تؤكد هذه المادة على القيمة القانونية لرسالة البيانات فهي صحيحة وقابلة للنفاذ كالمستندات الورقية ، كما أكدت المادة السادسة من قانون الأونسيترال في فقرتها الأولى على أنه عندما يشترط القانون أن تكون المعلومات مكتوبة ، تستوفي رسالة البيانات ذلك الشرط إذا تيسر الاطلاع على البيانات الواردة فيها على نحو يتيح استخدامها بالرجوع إليه لاحقاً .
كما أكدت المادة السابعة من قانون الأونسيترال على أنه عندما يشترط القانون وجود توقيع من شخص ، يستوفي ذلك الشرط بالنسبة إلى رسالة البيانات إذا استخدمت طريقة لتعيين هوية ذلك الشخص والتدليل على موافقة ذلك الشخص على المعلومات الواردة في رسالة البيانات وكانت تلك الطريقة جديرة بالتعويل عليها بالقدر المناسب للغرض الذي أنشئت أو أبلغت من أجله رسالة البيانات ، في ضوء كل الظروف بما في ذلك أي اتفاق متصل بالأمر .
كذلك تتضح القيمة القانونية للبيانات الإلكترونية في المادة التاسعة من قانون الأونسيترال والتي أكدت على حجية رسائل البيانات في الإثبات حيث نصت في فقرتها الثانية : (يعطى للمعلومات التي تكون على شكل لرسالة بيانات ما تستحقه من حجية في الإثبات . وفي تقدير حجية رسالة البيانات في الإثبات ، يولى الاعتبار لجدارة الطريقة التي استخدمت في إنشاء أو تخزين أو إبلاغ رسالة البيانات بالتعويل عليها ، والطريقة التي حددت بها هوية منشئها ولأي عامل آخر يتصل بالأمر) .
بالتالي نجد أن نظم المعلومات الجغرافية باعتبارها رسالة بيانات تتمتع بالحجية القانونية التي تتمتع بها المستندات الورقية فتكون صحيحة وقابلة للنفاذ ، ويكون منشئ هذه البيانات مسؤول قانونياً عما صدر عنه .
المبحث الثاني : مظاهر الحماية القانونية لنظم المعلومات الجغرافية .
إن تخزين المعلومات بوسائل إلكترونية ومن ثم استرجاعها والاستفادة منها في المشاريع العملية يوفر الوقت والجهد بالاستغناء عن المعاملات الورقية المعقدة ، فنظم المعلومات الجغرافية تخزن المعلومات الخاصة بالمواقع الجغرافية وتعمل على ربطها بالظواهر الطبيعية وغير الطبيعية وتحدد مدى مقدراتها الطبيعية والصناعية ومدى إمكانية تأهيلها والاستفادة منها على النحو المطلوب مما يسهل العمل لتحقيق النتائج الإيجابية المطلوبة .
إلا أن البيانات الإلكترونية قد تتعرض للاعتداء من خلال اختراق المواقع الإلكترونية الخاصة بها مما يسبب إتلاف هذه البيانات أو تخريبها والعبث بها ، كإدخال بيانات وهمية أو معلومات مزورة أو محو البيانات والتلاعب في البرامج(3) ، فلا بد أن تخضع هذه البيانات إلى حماية قانونية سواء من خلال القوانين الناظمة لمثل هذا النوع من الاعتداء أو من خلال الإجراءات والتدابير الوقائية التي تتعلق بسرية المعلومات وخصوصيتها .فقد تتعرض تلك البيانات إلى السرقة من خلال الدخول غير المشروع إلى الموقع الإلكتروني الذي يحوي تلك البيانات والحصول على المعلومات المختزنة دون إذن مشروع ، عندئذ تسري النصوص القانونية الخاصة بجريمة السرقة . كذلك الأمر بالنسبة للتزوير فقد تتعرض المعلومات المختزنة بصورة غير مشروعة إلى تحريفها أو تغييرها ودون إذن مسبق فتطبق النصوص القانونية الخاصة بجرم التزوير.
في كثير من الدول التي لديها نشاط متميز في الأعمال الإلكترونية تطبق القواعد العامة فيما يتعلق بالحماية القانونية للبيانات الإلكترونية خاصة تلك الدول التي ليس لديها تشريعات خاصة بالمعاملات الإلكترونية .
أما بالنسبة للإجراءات والتدابير الوقائية والتي تتميز بطبيعة إلكترونية وترتبط بتقنيات الحاسب الآلي فهي تضمن للمتعاملين إلكترونياً الأمان والثقة في تعاملاتهم حيث تستخدم طرق تقنية تؤمن السرية والخصوصية ، فهناك برامج حاسوبية من شأنها تحديد هوية المستخدمين الذين يسمح لهم بالدخول إلى نظم المعلومات وكذلك هناك برامج من شأنها كشف أي اختراق للمواقع المحظورة فبعض المستخدمين تكون لديهم تقنيات معينة تسمح لهم باختراق مواقع معينة قد تكون محظورة أي غير متاحة لجميع المستخدمين إلا أنه تتم مواجهتهم بتقنيات وبرامج حاسوبية مضادة لتحافظ على سرية المعلومات وخصوصيتها . ولمواجهة أي اختراق لا بد من تخزين البيانات بوسائل محمية فالمخترق يقوم باستخدام برامج متخصصة في فك الرموز السرية ليصل إلى الملفات المختزنة الأمر الذي يدعو إلى تطوير نظم الحماية بشكل يتناسب مع التكنولوجيا الحديثة وتقنية المعلومات .
فهناك برامج مراقبة تراقب جولة المستخدم إلى المواقع الإلكترونية كما يراقب أعماله عبر شبكة الإنترنت بالإضافة إلى برامج مكافحة الفيروسات التي من شأنها تدمير النظام المعلوماتي أو إتلافه أو تغييره إلا أنه لا بد من تطوير هذه البرامج لتكافح الأنواع الجديدة المستحدثة من الفيروسات .
لعل من أهم أساليب الحماية بقواعد البيانات ، البرمجيات الخاصة بالتشفير التي تعمل على تحويل البيانات إلى رموز وأرقام وحروف بحيث لا يمكن للمخترق فك هذه الرموز للوصول إلى حقيقة البيانات .
تلعب الجدران النارية دوراً أساسياً في تأمين الحماية لقواعد البيانات فهي أنظمة معلوماتية تمنع دخول المستخدمين غير المصرح لهم بالدخول إلى الشبكة فلا يمكن أن تمر أي عملية دون المرور بهذا الحاجز حيث تحتوي هذه الجدران على برمجيات أمنية تميز بين المستخدم المسموح له بالدخول وبين المستخدم المحظور عليه الدخول إلى الشبكة(4) .
من وسائل حماية نظم المعلومات الجغرافية باعتبارها تمثل قواعد بيانات إلكترونية إيجاد كلمات السر التي تستخدم لإخفاء المعلومات عن الآخرين فلا يمكن الدخول إلى الملفات المختزنة إلا بمعرفة كلمة السر أو العبور .
بالإضافة لما ذكر لا بد من التأكيد على أن التوقيع الإلكتروني من أهم وسائل تحقيق الأمن والخصوصية في البيانات الإلكترونية حيث يتم تحديد عائدية هذه البيانات وتحديد هوية المسؤول عنها من خلال التوقيع الإلكتروني الذي يتمتع بنفس حجية التوقيع في المستندات الورقية سواء كان توقيع رقمي باستخدام أرقام سرية أو توقيع (بيومتري) والذي يخزن من خلال برنامج حاسوبي إلكترونياً . وهذا ما أكده القانون النموذجي للتجارة الإلكترونية الصادر عن لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية (الأونسيترال) ، وكذلك الأمر أقام التوجيه الأوروبي مساواة قانونية بين التوقيع الإلكتروني الموثوق به والتوقيع الخطي والسبب في ذلك يرجع إلى أن التوقيع الإلكتروني الموثوق به والمتوافر فيه الشروط المنصوص عليها يتمتع بدرجة عالية من الأمان والسرية تجعل من المقبول أن يتم منحه قوة قانونية مساوية للقوة القانونية للتوقيع الخطي(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(5) سامح عبد الواحد التهامي – التعاقد عبر الإنترنت – دراسة مقارنة – دار الكتب القانونية – المحلة الكبرى – مصر 2008 – صفحة 484 .
خاتمة :
بذلك نجد أنه لا بد من تطوير الوسائل والتقنيات المتبعة لحماية قواعد البيانات لأن صور الاعتداء على تلك البيانات تتطور يوماً بعد يوم وتتمثل بتقنيات وأساليب مستحدثة .
ونظراً للأهمية البالغة لقواعد البيانات المستخدمة في المجالات الحيوية المختلفة فإننا نؤكد على ضرورة إيجاد تشريعات خاصة بالمعاملات الإلكترونية لضمان الحماية القانونية المناسبة لها ، إضافة إلى ذلك وعلى اعتبار أنه لا يمكننا إغفال دور الإنترنت في حياتنا في جميع المجالات وخاصة أننا في دولة نامية تسعى جاهدة إلى مواكبة التطور التكنولوجي والتقني الحاصل فلا بد لنا من تطوير البنى التحتية اللازمة للعمل الإلكتروني وتأمين الحماية القانونية لهذا العمل من خلال التشريعات الخاصة الناظمة للمعاملات الإلكترونية وصولاً إلى الثقة والأمان والخصوصية .
المحامية
حنان مليكه
منقول
http://syriabar.org/mohamon/article801.html