الرئيسية

نظم المعلومات الجغرافية

صورة الكاتب: 

نظم المعلومات الجغرافية
Geographic Information Systems (GIS)

تبنثق فكرة النظم عامة من حاجة العَالِم إلى معلومات وأدوات إضافية تعينه على إنجاز ما يريد إنجازه من عمله؛ لكنَّه لا يلبث كلما ازداد من هذه المعلومات والأدوات أن يشعر بحاجتة إلى المزيد منها ومن غيرها حتى يكون منتجه وافيًا بحسب سعة فهمه ومداركه؛ وما ذلك إلاَّ للعجز الملازمٌ للإنسان الذي طوَّر هذه التَّقنيات والأدوات فعجزها من عجزه وضعفها من ضعفه مهما بلغت بنا الأحلام والآمال. وتعدُّ نظم المعلومات الجغرافية في مجال المعلومات الأرضية أو المعلومات ذات الصلة بالأرض (Spatial Information) من أوضح الأمثلة على مفهوم النظم عامة.

ولا يكاد يخلو كتاب من كتب نظم المعلومات الجغرافية من القول بصعوبة تعريفها. والواقع أن لا صعوبة في التَّعريف إنِّما يقال بذلك لتعدُّد تطبيقاتها ولتركيز كلِّ صاحب تعريف على ما يعرفه منها بحسب ما يستخدمها له. وعلى هذا فيمكننا أن نأخذ بكلِّ تعريف لكونه يحمل شيئًا من حقيقتها ويدل على قصورنا أن نلمَّ بتقنية محدودة كهذه. ولو قال قائل: إنَّ نظم المعلومات الجغرافية هي المجال المعرفي الذي تتكامل فيه علومٌ وتقنياتٌ مختلفةٌ لتنتج علمًا يمكن من خلال تقنيته جمع المعلومات الأرضية (Geoinformation) وتخزينها، واسترجاعها، ومعالجتها، وانتاجها في صور مختلفة بحسب المراد منها؛ لما أنكرنا عليه قوله حتى لو نسي شيئًا مهمًا لم يدرجه في تعريفه، فهذا هو المألوف.

والغريب في الأمر أن ما اعترى المساحة من سوء فهم ومعرفة من المتعلم والجاهل يوشك أن يعتري نظم المعلومات الجغرافية منهما أيضًا. وأخشى إن طال بنا الأمد على ما نحن فيه من تصوُّرٍ قاصرٍ أن نبثَّ في عامة النَّاس مفاهيم خاطئة لا يمكننا تعديلها مستقبلاً. وإليكم بعض الأساليب والطرق التي أسهمت وتسهم في تشويه مفهوم نظم المعلومات الجغرافية، ومن ثمَّ الإضرار بالهنة:

قد تجد من يشتري برنامج نظم معلومات جغرافية وحاسبًا آليًّا، ثمَّ يرى نفسه أحاط بهذا العلم وتقنيته من كلِّ جوانبهما. والواقع أنَّ لديه في أحسن الأحوال بعض مكونين من مكونات نظم المعلومات الجغرافية.

وقد تجد من يملك خريطة وصورة رقمية؛ فيمسح الخريطة، ويخزنها مع الصورة في في برنامج نظم معلومات جغرافية، ثمَّ يعرضهما على شاشة الحاسوب ويسمي ذلك نظم معلومات جغرافية. والواقع أنَّه فقط خزَّن في نظامه كمَّا ضئيلاً من المعلومات التي يعالجها هذه النظام.

وقد تجد من يأخذ بعض العتاد المساحي ببرامجه كالـ GPS، والمحطة الكاملة (Total Station) وينزل إلى الميدان فيقيس كمًّا هائلاً من الإحداثيات والمسافات لتفاصيل هذا الميدان، ويجدولها. ثمَّ يحسب أنَّه أنجز نظم معلومات جغرافية. والواقع أنَّه أتى في أحسن الأحوال، ببعض مكوِّنٍ واحد من المعلومات التي تضاف إلى ما لديه من البرامج والعتاد اللازمة لهذه النظم.

وقد تجد من تتعاون معه شركةٌ متخصصة في نظم المعلومات الجغرافية فتنجز عملاً ما، فيأخذه بقوة ويدَّعي أنَّه أنجزه من ألفه إلى يائه، ويشرع في التَّطواف "بمنجزه" هذا داخل بلده وخارجه قائلاً بما لا يخدم المهنة ولا ينمِّيها ولا يحفظ كينونتها؛ فيحبط بعمله هذا قليل الخبرة في هذه النظم، ويُزهِّد فيها الخبير المتمكِّن العارف بها. وتَعلَم - من خلال هذا التَّصرُّف غير المنضبط – أنَّه إنَّما:
يطوِّف ما يُطوِّف في البراري
ليأكل راس لقمان بن عادِ

فنسأل الله السَّلامة والهداية.

وقد تجد من تتهيأ له دورة قصيرة قد لا تتعدَّى أيَّامها أصابع اليد الواحدة، يتعلَّم فيها بعض عمليات أحد برامج نظم المعلومات الجغرافية، وهذا لا ضير فيه بل هو أمر مطلوب، إنَّما الخلل يأتي من فهم هذه النظم من خلال هذا التَّصوّر المنقوص.
والحقيقة أن نظم المعلومات الجغرافية لا تقوم دون معظم ما ذكر بعضه آنفًا، ولا دون غيره مما يلزمها من معلومات وعتاد وبرامج ومعارف يحتاجها المختصون فيها كلٌّ حسب مجاله الذي يعمل فيه. ثمَّ هي لا تقوم إلاَّ على فكر هندسي سليم، إذا فُقد فقدت كلُّها. ولأنَّها لا تقوم أيضًا إلاًّ على تكامل معلومات مختلفة المشارب، فهي بحاجة إلى تكامل طاقات بشرية متخصصة في هذه المشارب ليكون المنجز واقعًا لا وهمًا. وقد جاء في قصيدة "جولةٌ في علوم المساحة" التي كُتبت عام 1414هـ ونشرت في ديوان "الوطن البعد الذي لا يُقاس" وصفٌ مختصر لنظم المعلومات الجغرافية يقول:

وهناك الجي أي إس أساسٌ
هو في لمِّ شملها خير باحةْ

والضمير في شملها عائدٌ إلى المعلومات المبعثرة التي تأتي من تخصصات مختلفة لا يمكن لفردٍ مهما أوتي من علم أن يلمَّ بها مجتمعة. ولا ريب أنَّ من يريد توظيف نظم المعلومات الجغرافية توظيفًا فاعلاً مؤثِّرًا يلزمه خبرة جيدة بعلم البرمجة ليطوعها لخدمة أهدافه الخاصة في مؤسسته أو قطاعه.

وليس هدفنا فيما نطرحه هنا أن نثبِّط أحدًا، معاذ الله. فكلُّ من يأنس في نفسه خيرًا، ويراها تميل إلى هذا النَّوع من المعرفة فليهبط سوقها مع الهابطين، ويتعلَّمها مع المتعلمين؛ لكن لا يقول فيها إلاَّ بقدر ما يعرف، ولا عيب عليه ولا تثريب. أمَّا التَّعبُّث فسيزعزع ثقة القطاعات والمؤسسات المختلفة بأهل هذه التقنية، ويزيد من تخلُّف هذه المرافق، وتعثُّر برامجها التَّنموية. ويأتي على المهنة فيشوِّهها ويدمرها، فتكون الخسارة شاملة، والعياذ بالله.

old_id: 
567
اسم الكاتب: 
أ.د. ظافر القرني