الرئيسية

نظم المعلومات الجغرافية تقنية ترى المستقبل

صورة الكاتب: 

هل فكرنا يوماً لو حلت المشاكل السياسية قبل اندلاعها هل ستنازع شعوب العالم وتضيء شرارة الحروب ؟ هل لو عرفنا سبب الكوارث الطبيعية واسباب نشئتها وكم بقي من السنوات لحدوثها هل استطعنا ايقافها او الحد من مخاطرها؟ هل لو علمنا كم سيكون عدد السكان في مدينة واحدة او دولة او قارة بعد عشرات السنبن هل ستحدث المجاعات؟هل لو استطعنا تحديد مشاكل البنية التحتية للدول ستحتاج وقتاً طويلاً لإصلاحها؟ هل يوجد من يستطيع التنبؤ بمتى سيحدث ذلك؟ وأين سيحدث؟ وكيف سيحدث؟.

هل هو علم التنجيم والفلك أم نوعٌ من أفلام الفنتازيا أم مجرد كلمات مشوقة أحاول بها جذب أنتباه القراء إنها ليست من ذلك كله بل انها تقنية حديثة تعرف بنظم المعلومات الجغرافية او ما يسمى ب Geographic Information System/science) GIS) انها التقاء بين البيانات المكانية وبرامج المعالجة المكانية صممت بما يعرف بالخوارزميات ALGORITHMS لاستنباط البيانات من مصادرها المختلفة وتخزينها واسترجاعها ومعالجتها وتحليلها وتقديم النتائج فقي صورة خرائطية تحاكي الواقع ويتكون هذا النظام من البيانات الجغرافية،البرمجيات،الأجه زة المستخدمة في تشغيل البرمجيات،المناهج المستخدمة في التحليل والمعالجة، المستخدمين لأدوات النظام والمنتفعين به.
ظهرت هذه التقنية في العقد السادس من القرن العشرين ويرجع ظهور المصطلح GIS لأول مرة إلى المشروع الذي نفذته إدارة الموارد بالحكومة الكندية Canada Geographic Information System "CGIS" عام 1963م بهدف تطوير نظام معلومات رقمي لمعالجة خرائط الموارد الطبيعية في كندا،ثم تلى ذلك العالم هوارد فيشر بجامعة هارفارد بإنشاء معمله الخاص وأطلق عليه معمل هارفارد لرسوم الكومبيوتر والتحليل المكاني Harvard Laboratory for Computer Graphics and Spatial Analysis ثم حانت نقطة التحول في تاريخ نظم المعلومات الجغرافية بعد انضمام روجر توميلنسنRoger Tomlinson للمشروع الكندي حيث قام بوضع الأساس لعدد كبير جداً من الخوارزميات المستخدمة في معالجة البيانات الجغرافية في صورتها الرقمية ونتيجة لهذه الجهود قدم المشروع الكندي نتائجه لمتخذي القرار قبل نهاية عام 1971م ثم بعد ذلك تأسست بعض المؤسسات الخاصة لنظم المعلومات الجغرافية مثل "معهد أبحاث النظم البيئية ESRI وأسسها جاك دانجرموند Dangermond وهي من أفضل المؤسسات في مجال نظم المعلومات الجغرافية.
أما في عقد الثمانيات يعتير عقد التحول التجاري لنظم المعلومات حيث تأسست أكبر الشركات في مجال نظم المعلوما ت الجغرافية منها( MapInfoعام 1985م،Small World عام 1988م، ERMapperعام 1989م،Intergraph) وأنتجت هذه الشركات حزم من البرامج لخدمة نظم المعلومات الجغرافية مثل ( ArcGIS،Geomedia،MapInfo،Autodesk).
في التسعينيات شاعت تقنية نظم المعلومات الجغرافية في العالم كله وظهرت العديد من الأنظمة المساعدة لها مثل ( نظام التوضع العالمي GPS ،الأستشعار من بعد عالي الدقةHigh Resolution Remote Sensing )، وفي وقتنا الحالي أضحت نظم المعلومات الجغرافية نظام شامل يخدم كل المجالات بتقديمه وتحليله للمعلومات المكانية واستنباط النتائج منها والتي تصب جميعاً في جعبة متخذي القرار وأصبحت لا غنى عنها لكل الدول التي تسير في سبيل التقدم والرقي.

إن العلوم الحديثة تتجه الأن الى معرفة المستقبل فكلما كانت المعرفة المبكرة بالمشكلة كلما أدي ذلك الى تفادي المخاطر الناجمة عنها وأخذاً بالقول المأثور"البيانات الأفضل تقود لقرار أفضل" وهذا هو لغز نظم المعلومات الجغرافية فبامكانها تحديد موقع المشكلة بدقة فائقة من خلال ما يعرف بـ Accuracy أي تحديد مدى مطابقة البيانات الرسومية لواقع الظواهر الجغرافية ويتم ذلك عن طريق تمثيل الظواهر والأهداف الجغرافية على سطح الأرض في صورة رقمية تعرف بالنماذج الخطية Vector Models أو النماذج الشبكية Raster Models حيث يمكننا من قياس الأبعاد الأفقية والرأسية وإجراء عمليات المعالجة والتحليل للبيانات الجدولية في النظام أحد المظاهر المستنسخة من نظم إدارة قواعد البيانات DBMS ومن خلال ذلك يمكن رصد الظواهر موضع الدراسة واستخلاص النتائج والتنبؤ بما يطرأ عليها من تغيرات مستقبلية وتحديد سبل الوقاية المناسبة لمواجهة المشاكل الناجمة عنها ومن الأمثلة التي تستطيع نظم المعلومات الجغرافية التصدي لمشاكلها في المجالات المختلفة منها:-
· في مواجهة الأخطار الطبيعية كالبراكين والزلازل والسيول والإنهيارات الصخرية وغيرها حيث تستطيع نظم المعلومات الجغرافية أن تجيب عن التعريف للهدف من حيث (المسافات والزوايا والاتجاهات والمساحات والارتفاعات) والموقع من خلال (تحديد موقع الخطر والكارثة) والتغير الذي يحدث للظاهرة الناجم عنها الخطر من خلال مراقبة إمتدادها وتوزيع الخطر من حيث تواجده بالقرب من العوامل والأنشطة البشرية ورسم الخرائط الجيولوجية اللازمة لمعرفة تتابع الطبقات الصخرية وتقديم سيناريو خرائطي لما يحدث وماذا سيحدث في المستقبل ينجم عن هذه الأخطار الطبيعية وتحديد أنسب الطرق لمجابهة هذا الخطر والحد من أضراره.
· لمواجهة المشاكل السياسية من خلال التعرف على المشاكل وتحديد عمليات ترسيم الحدود السياسية والبت في عمليات النزاع من خلال رؤية خرائطية تتيح حلول لفض المنازعات على الوحدات السياسية عل سبيل المثال توزيع الانتشار لفئة معينة من سلالة عرقية تريد الإستقلال تعيش على جزء من الدولة تملكها سلالة عرقية أخرى وبالتالي تحديد عدد السكان وأماكن الانتشار لهما يحددان اتخاذ الحل السلمي السليم والذي يكفل حق الغير دون أي نزاع لا يسمن ولا يغني من جوع.
· في مواجهة المشاكل الناجمة عن سوء التخطيط للمدن من خلال رسم خرائط للتغيرات التي حدثت لمدينة معينة منذ فترة مثل تغيرات البنية التحتية والعمران واستخدم الأرض للزراعة والصناعة وتغطية أرجاء المدينة بشبكات الكهرباء والماء والعلاقات المتبادلة بين توزيع السكان وتوزيع الخدمات وتحديد الأماكن المحرومة ومن ثم إعادة توزيع الخدمات وتساعد في تحديد العشوائيات واتجاهات نموها للحد من انتشارها وايجاد مواقع البؤر المرورية صاحبة القدر الأكبر من الحوادث والإختناق المروري على الطرق وأي المواقع أنسب لإنشاء طرق جديدة داخل المدينة واختيار مواقع جديدة لانشاء مؤسسات تخطيطية لخدمة السكان داخل المدينة ومحاولة إيجاد اجوبة عن سيناريو ماذا سيحدث لو زاد عدد سكان المدينة وأي الجوانب التخطيطية التي ستتأثر أولاً بزيادة عدد السكان ويتم ذلك كله حسب إجراءات وخطط مدروسة ومن ثم يمكن وضع خطط التنمية تبنى على قرارات متوازنة.
· في مواجهة إدارة الأزمات حيث أن إمكانية التحليل لشبكات الطرق والمسارات والبنية الأساسية لتحديد أقصر مسافة بين نقطتين يوفر الوقت والجهد ويعمل على تنظيم العمل وهذا ما تعتمد عليه نظم المعلومات الجغرافية في إدارة الأزمات مثل ( الحرائق ، انتشار الأوبئة ، الاضطربات العامة ، المجاعات، الحوادث التي تشكل كوارث بشرية بأنواعها) حيث أن امتلاك الخرائط والمعلومات يعتبر أمراً هاماً في مثل هذه الحالات الطارئة كأرسال فرق الدفاع إلى مكان الكارثة عن طريق أقرب مسافة للمكان للإنقاذ أو إرسال الخدمات الطبية الطارئة.
· في حماية البيئة من خلال تصنيف البيئات في اتجاهات عديدة خاصة بطبيعتها الفيزيائية والبيولوجية والكيميائية والمناخية وتتبع التغيرات الحادثة بمنطقة معينة وتقدير هذه التأثيرات على المناطق المجاورة عن طريق كشف التغير لمجموعة من الخرائط والصور في فترات مختلفة.
· في مجال الطب من خلال توزيع الأمراض وانتشارها على الخرائط ومعرفة عوامل انتشار الأمراض في هذه الأماكن بالتحديد دون غيرها وأنسب الحلول لمقاومة انتشار المرض الى المناطق المجاورة والتغلب عليه.
· البعد الأساسي لمتخذ القرار والمتمثل في عبقرية المكان حيث تساهم نظم المعلومات الجغرافية في تحديد أنسب الأماكن لمشروع ما بناء على معايير تحدد من قبل القائم على تنفيذ المشروع وتتم بادخال اسئلة في صورة معادلات رياضية تقبلها برامج نظم المعلومات.
· في مجالات السياحة وتنميتها والكشف عن الأثار من خلال بناء خرائط للأماكن السياحية وتحديد المناطق المتوقع وجود كشوف أثرية بها.
· في المجال الزراعي حيث بمساعدة تقنية الاستشعار من بعد يمكن تحديد المساحات المنزرعة وعدد الأشجار المثمرة وأماكن الإصابة بالافات لبعض الأشجار وبالتالي تزيد كفاءة الإنتاج.
· في استنتاج المؤشرات التنموية المساعدة لمتخذي القرار حيث يمكن تحليل الخصائص الاقتصادية والاجتماعية لمنطقة معينة بناء على معايير خاصة مرتبطة بقاعدة بيانات مسبقة.
· في التعرف على مستقبل استخدام الأرض داخل مدينة معينة حيث يمكنها انتاج خريطة للتركيب الوظيفي للمدينة واستنتاج خريطة مستقبلية لاستخدام الأرضي.
· في ادارة الهيئات وتحسين كفاءتها من ناحية الإنتاج حيث لها القدرة على ربط مجموعة البيانات بعضها مع بعض وبذلك يتم بناء نظام تعاوني بين الأقسام داخل الهيئة لأن تجميع البيانات يتم مرة واحدة فقط ويتم استخدامها أكثر من مرة وبالتالي تزيد الكفاءة داخل الهيئة.
· في مجال التجارة حيث يتمكن المستخدم من نشر خرائط ليطلع عليها الأشخاص من أرجاء العالم عبر شبكة الأنترنت وأجهزة التليفون المحمول لأمكانية الأستثمار على سبيل المثال للعقارات والأراضي حيث يتم تمثيل هذه البضائع على الخرائط في اماكنها وبالتالي يتيح للعميل تحديد المكان أو المنتج ومميزاته.
· في بناء الخرائط وترميم خرائط المخطوطات القديمة المتهالكة اعتماداًً على البيانات الوصفية المكتوبة لوصف الأماكن والتي كان يصفها الرحالة في كتاباتهم.
هذه بعض المجالات التي تستطيع نظم المعلومات الجغرافية العمل داخل مناهجها وخدمة أهدفها وهناك العديد من المجالات لا يسع الحديث عنها داخل هذه العجالة البسيطة .
وأخيراً وليس بأخر فانه رغم الفوائد الجمة لنظم المعلومات الجغرافية واسهاماتها المهمة تستطيع أن تحسن من كفاءة وجودة الأداء في حياتنا وبراعة في التحليل لخدمة ودعم عمليات إتخاذ القرار؛ الا انها مازالت تطبق في بلادنا ببطيء السلحفاة ، وتواجهها بعض الصعوبات خاصة في وطننا العربي من أهمها قلة قواعد البيانات لكل دولة والتي تشكل العمود الفقري لنظم المعلومات الجغرافية حيث تشكل نسبة 80% من جملة التكاليف ، كما أن قلة الكوادر البشرية والتي تجيد العمل على برامج نظم المعلومات الجغرافية وقلة المعاهد والمؤسسات الجامعية التي تعرض نظم المعلومات الجغرافية داخل تخصصاتها ومناهجها وأيضا قلة الشركات العربية العاملة في هذا المجال، وعدم ادراك صانع القرار بفوائد نظم المعلومات الجغرافية مما يؤثر على الدعم المالي المقدم لتنمية هذه التقنية والتي بحاجة الى التطور المستمر لمواجهة المتطلبات المتغيرة للحكومات،ورجال الأعمال،الموارد الطبيعية،حماية الطبيعة،العلم،والتعليم والخدمات.
ورغم ذلك كله الا ان هناك دول عربية قطعت شوطا كبيرا في مجال نظم المعلومات وأصبحت لديها قواعد بيانات تخدم اهدافها التنموية مثل الامارات، والكويت, والسعودية، وتونس وهذا يلقي الى حث الدول العربية الأخرى للاستفادة من هذه التقنية مما يعزز قدرة وطننا العربي للدخول الى المحافل الدولية لهذا المجال وتحسين موقعه بين الدول الأخرى، فإن تقنية نظم المعلومات الجغرافية تهدف الى خلق عالمٌ أفضل، ولعل هذا يكون بمثابة دعوة للاستفادة من هذا المجال والنهب من فوائده قدر الإمكان .

المصدر: http://www.enjaztech.com/vb/t1809.html

old_id: 
571
اسم الكاتب: 
محمد ناصف